لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. logo لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك.    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية.
shape
الإرشاد شرح لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد
109755 مشاهدة print word pdf
line-top
الإيمان يزيد وينقص

الدليل الثالث: قوله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ (الحجرات:15) فجعل من الإيمان الجهاد وترك الريب والعمل، فلا شك أن هذا كله دليل على أن الإيمان شيء زائد على التصديق.

إذن فيكون الإيمان مثلما عرفه الموفَّق رحمه الله ؛ وهو قول أهل السنة، وقد ذكروا أن البخاري رحمه الله يقول: رويت في هذا الكتاب عن نحو ثلاثمائة من العلماء كلهم يقولون: الإيمان قول وعمل، ويريد بذلك أن مشايخه الذين أخذ عنهم كلهم على هذا القول: (الإيمان قول وعمل).
وقد بدأ صحيحه -بعد المقدمة التي هي في الوحي- بكتاب الإيمان، ثم قال: (وهو قول وفعل، يزيد وينقص) ولم يذكر الاعتقاد؛ لأنه لا خلاف في الاعتقاد، ولما لم يكن الاعتقاد فيه خلاف أغفله، وذكر ما فيه الخلاف ؛ وهو القول والفعل ، أي: أن الإيمان تدخل فيه الأقوال والأفعال، ثم يترتب على ذلك كمال الإيمان ونقصانه وزيادته.
وكثير من الحنفية والأشاعرة ونحوهم يعتقدون أن الإيمان واحد وأنه لا يتفاوت، وأن الناس فيه مستوون ، وأن إيمان جبريل وميكائيل ومحمد وموسى وعيسى وإبراهيم عليهم الصلاة والسلام مثل إيمان سائر الناس ، وهذا بلا شك فيه خطأ ، وذلك لأنهم متفاوتون في العقيدة وقوة اليقين، ومتفاوتون في أثر تلك العقيدة على العباد، وإذا كانوا متفاوتين دل على أن الإيمان يتفاوت.
فنحن نعرف أنه قد يكون هناك إنسان رزقه الله علما وقراءة وتدبرًا، أقبل على السنة، وعلى الحديث، وعلى القرآن، وأخذ يتأمل وقامت عنده الأدلة، ورسخت في قلبه أدلة الوحدانية وأدلة الربوبية، وأدلة البعث والنشور، وأدلة الأعمال والأحكام، وأدلة الرسل والإيمان بهم، والملائكة ونحوهم؛ رسخت في قلبه، وكان من آثار رسوخها أن انبعثت جوارحه بالعمل فلا ينطق إلا بالذكر ولا يسمع إلا الخير ولا يبصر إلا ما فيه خير، وكان سكوته ذكرًا ونطقه ذكرًا وعمله خيرًا، كل ذلك من آثار ما رسخ في قلبه من تلك الأدلة.
وهناك آخر ما سمع إلا القليل، ولا اهتم إلا بالقليل من السُّنة، ولم يتعلم إلا أطراف المعلومات، ومع ذلك امتلأ قلبه باللهو والسهو وزينة الدنيا وزخرفها والميل إليها، وامتلأ قلبه بمحبة الشهوات ، فإذا رأيته لا تسمعه يذكر الله إلا قليلا ولا ترى جوارحه تنطلق إلا قليلا بالأعمال الصالحة، بل وضد ذلك لا يذكر إلا ما يشتهيه وما يميل إليه ، ولا ينطلق إلا إلى هوى نفسه ، وأعماله الصالحة قليلة، فهل يقال: إن أعمال هذا وأعمال هذا مستويات ؟ الذي يقول ذلك ليس له فكر.
نعود إلى كلام الموفق رحمه الله، قوله: (إن الإيمان قول باللسان) يدخل في ذلك الأذكار، فهي من الإيمان، فإذا قلت مثلا : سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، وأستغفر الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولا إله إلا الله، وأعوذ بالله، وباسم الله، والله ربنا، فهذا كله من الإيمان وهو قول اللسان.
وكذلك إذا دعوت إلى الله، أو دعوت إلى الخير، وعلّمت الناس، ودعوت إلى كتاب الله والعمل به ، فكل نطق تنطق به وهو يدل على الخير فإنه من الإيمان ، يقال: هذه الكلمة إيمان، وهذه التهليلة إيمان، وهذه التسبيحة إيمان، و(اعتقاد بالجنان) أي: بالقلب، والاعتقاد: ما عقد عليه القلب وتمسك به ، فالعقد أصله انعقاد القلب على الشيء، وعدم التردد في ثبوته ، فإذا اعتقد قلبك ثبوت البعث فهذا من الإيمان، وإذا اعتقد قلبك ثبوت عذاب القبر فهذا من الإيمان، وإذا اعتقد قلبك ثبوت الوحي فهذا من الإيمان، وإذا اعتقد قلبك ثبوت الحشر والنشر والجزاء على الأعمال وتفاصيل ذلك فهذا من الإيمان، وإذا اعتقد قلبك ثبوت الملائكة وكثرتهم فهذا من الإيمان، وإذا اعتقد قلبك ثبوت الرسالة وكثرة الرسل فهذا من الإيمان، إلى آخر ذلك؛ كل ما يعقد عليه القلب فإنه من الإيمان.
كذلك أيضًا عمل الجوارح ، فالصلاة والصدقات والصيام والطواف والحج والوقوف ورمي الجمرات والجهاد في سبيل الله والأمر بالمعروف والدعوة إلى الله تعالى ، كل هذه من الإيمان.
    والبخاري يبوب على ذلك في صحيحه فيقول: (باب الصلاة من الإيمان) ، (باب أداء الخمس من الإيمان)، (باب أداء الزكاة من الإيمان)، (باب الصبر من الإيمان)، وهكذا يعدد خصال الخير ويجعلها من الإيمان؛ لأنها من الأعمال بالجوارح، والأعمال بالجوارح من الإيمان.
أما الأدلة على ذلك فمنها قوله تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (البينة:5) الدين هو الإيمان، فجعل هذه الخمس من الإيمان:
العبادة: يدخل فيها أنواع الطاعة وأنواع القربات كلها من الإيمان.
الإخلاص: إرادة وجه الله تعالى بالعمل وعدم إرادة غيره؛ هذا أيضًا من الإيمان.
الحنيف: هو المقبل على الله المعرض عما سواه، هذا من الإيمان.
الصلاة: من الإيمان.
الزكاة: من الإيمان. وكلها من الدين.
كذلك الإيمان: ذكر أنه يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان، وقد تقدم ذكر من ينكر زيادته، وتبين لنا خطؤهم وبعدهم عن الصواب، والأدلة واضحة على ذلك، قال الله تعالى : الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (آل عمران:173) .
وفي سورة الأنفال يقول تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا (الأنفال:2) .

line-bottom